كنت أمام لوحة السبورة و قطعة الطبشور ترقد في يدي.. كتب على السبورة شيء يقول: “لماذا أحب وطني وماذا أفعل لأجل وطني”.. وأحيانا أجد مكتوبًا: “أحب والدتي”
بالنسبة لسني الصغير لم أكن أفهم ما معنى كلمة حب هذه من الأساس.. غير أني أسمعها في الفضائيات كثيرًا عندما أجلس أمام أختي الكبرى وهي تدير شيئًا إسمه “ريموت كونترول” وتقول بأنها “تعشق النايل سات لما تقدمه من فائدة جمة تتمثل في أحدث الكليبات والرقصات والموضات والشباب والتي تمثل في مجملها “الحب”"..
ولهذا صارت الكلمة بالنسبة لي شيئًا مهمًا للغاية وبأنه يتوقف عليها مصير العديد من الأمور.. فكنت أقف عاجزًا عن الرد عندما يقول لي والدي: “لماذا لا تحب أخاك”، لا أدري ولكنه يصر على صفعي كلما رفضت أن أعطي أخي حقي من الطعام الذي يرغب في أخذه غصبًا عني.. ويعتبرني طفلاً غير محبًا أو محبوبًا بالرغم من اني لم أفهم حينها معنى كلمة “حب”..
بعدها وقد بدأت أكبر وتكبر غرائزي معي تفطنت لحقيقة أخرى وهي أن الحب أعظم هذا بكثير.. فكل شيء يسير به؛ أينما ذهبت أو حللت تجد الحب ينافسك في كل شيء.. فالطفل الصغير يحب كرته ويتسمك بها ويتفل في وجهك لمجرد لمسك لها، والموظف يحب ثلاجته الصغيرة في مكان عمله وقد يقتلك لو سولت لك نفسك حتى النظر إليها، والفتاة الشاحبة النحيلة التي لا تأكل شيئًا بدعوى المحافظة على الرشاقة تحب ان تظهر بهذا المظهر نفسه الشاحب والنحيل وتقاتل كل من يدعوها لأكل قطعة شوكولاته قد تفسد حميتها..
هذا هو الحب الذي فهمته خلال مرحلتي تلك.. وكنت أسمعهم وهم يقولون أو يخطبون في كل مكان “الحب.. الحب.. الحب”..
بعدها اكتشفت ذلك الحب الذي يبث لنا على القنوات كما قلت بالأعلى.. ولكني الآن اكتشفته بعمق كما أسلفت.. صراحةً حينها أقلعت من رأسي فكرة أنه يوجد حب آخر غير هذا.
ففيه يجب تكون لك فتاة من أصحاب اللباس الشيك والوجه البدر والعيون العسل والشفاه الفراولة والخلق الكلاسيكي الذي فيه تجيد الفتاة كل شيء إلا الطبخ والكنس والمسح.. ذلك الحب الذي تجلس فيه القرفصاء معذبا وقد تموت أو تفقد حياتك لأنك أصررت البقاء في الليالي الباردة خارجًا تتحدث مع القمر الذي أنت متأكد بأنه لم ولن يرد عليك ولو انطبقت السماء على الأرض.. ذلك الحب الذي في النهاية سيؤدي بك إلى زواج تكون فيه زوجتك يوم عرسك حاملاً في الشهر السادس أو السابع..
خلاصة هذا الحب أنك ستنسى كل شيء أمامك لو طلت عليك بدر البدور من باب قاعة المحاضرة لتسمعك احلى السباب والنعوت صارخة في وجهك أمام الجميع.. ولكنك لا تعير أحدًا الاهتمام حيث ستبتسم في ود وتقول.. فلتفعل بي ما تشاء “إني أحبها”..
في الأخير ستكتشف بأنك كنت أغبى الأغبياء.. حين تراها تلوح لك بمنديل أم كلثوم من نافذة سيارة ألد أعداءك.. وبعدها ستكتشف منطقيًا بان مادامت النتيجة خاطئة فبالتالي الطريقة خاطئة وهذا يعني أن الحب الذي أدمنته خاطئ..
ماذا تفعل لو لم تحب؟.. لن تفعل شيئًا لأنك في الأساس تحب كل شيء.. ليس شرطًا أن تحب إنسانًا أو جمادًًا.. فقد تحب فضيلة أو رذيلة.. أو نفسية أو شخصية أو حتى طريقة كلام أو نظرة أو أي شيء يخطر على بالك.. نحن نحب كل هذا دون بذل أي مجهود في ذلك.. لذلك فأستغرب من الذي يظل ينهق طوال النهار ليقول الحب الحب الحب ويحصر ذلك في الحب بين إنسان وإنسان أو إنسانة أو حب الوالدين أو كل تلك الأمور..
لا تنظروا إلي تلك النظرة التي أفهم من خلالها أنكم قررتم الاستغناء عن مخي لصالح مجانين الصرايا الصفرا..
هكذا نحن.. ومن له رأي مخالف فليخالف وذلك حقه.. وعلى رأي قناة الجزيرة الأبدي “الرأي والرأي الآخر”